Breaking News

اليوم العالمي للمرأة: المرأة محاصرة بين التشريعات السماوية والقوانين الذكورية


 اليوم العالمي للمرأة

يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة هذا العام، كما في كل عام، ووضع المرأة في بلداننا الاسلامي  ليس بأفضل حالاً عنه في الأعوام السابقة. بل من الممكن تسجيل تراجع في بعض الجوانب. وغنيّ عن البيان أنّ معاناة المرأة في المجتمعات العربية مزدوجة، لكونها تتعرض لقمع واضطهاد على مستويين: تشترك في المستوى الأول مع الرجل، من حيث أنهما يعيشان ظروف الاستبداد السياسي والبؤس الاقتصادي في بلدان لم يعد خافياً ارتفاع معدلات الفقر والبطالة فيها، وانخفاض سقف الحريات وحقوق الإنسان بفضل فنون الاستبداد وأشكاله المتنوعة. وفي المستوى الثاني تنفرد المرأة بشكل خاص بالقهر الاجتماعي تحت سطوة العادات المدعومة بأعراف ومسلّمات موروثة، دينية وعائلية قروسطية. تنظّم كلّ ذلك قوانين ذكورية متخلّفة تحمي الاضطهاد وممارسيه. والسبب كونها امرأة. وكفى بذلك سبباً في رحاب المجتمعات البطريركية.
لفترة طويلة ساد التحليل الماركسي لتفسير وضع المرأة والذي يربطه بالنظام الاقتصادي وبالتالي دورها في عملية الإنتاج، وتبعيتها للرجل وجعلها بمرتبة أدنى في المجتمعات الطبقية ويبشرها بجنة الحقوق والمساواة في ظل النظام الاشتراكي. أما بعد اقتحامها لسوق العمل من أوسع أبوابه وتميزها في حقول الاقتصاد المختلفة، بالتوازي مع نجاحها اللافت في مجالات الإبداع كافة. إضافة إلى التراجع الكبير في الاعتماد على قوى الإنسان العضلية وسيادة الآلة بشكل واضح حتى في الزراعة. وعدم تبلور الطبقات في مجتمعات باتت تنقسم إلى أغلبية فقيرة وأقلية مسيطرة غنية، وسقوط الأحلام الوردية بعد كل ما أتحفتنا به نظم تسمي نفسها اشتراكية. وبعد فإن ذلك التحليل سيبدو قاصراً. وبالتالي لم يعد كافياً حصر أسباب المشكلة في الجانب الاقتصادي على أهميته، وأصبح لازماً الغوص في عمق التناقضات من نواحي الثقافة الاجتماعية وفاعلية الأديان التي تحط من قدر المرأة في تلك الثقافة، واستناد القوانين إلى تلك الأديان في تنظيم الأحوال الشخصية بوجه خاص. ويمكن أن نستغرب الازدواجية في التعاطي مع المرأة من حيث الاعتراف بها وبحقها في العمل كقوة أساسية ومفيدة في المجتمع إلى جانب ((رفيقها الرجل)) فهي ـ بتكرار ممل ـ ((نصف المجتمع)) . ومن جهة ثانية الإجحاف والتمييز الواضح ضدها في القوانين والتشريعات بشكل سافر. وإذا كانت الديانات الثلاث الكبرى (اليهودية، المسيحية، الإسلام) قد اختلفت في الكثير من القضايا لكنها اتفقت بل وتناغمت بتأكيدها على تصنيف المرأة كتابعة للرجل، ومقيّدة في الكثير من جوانب حياتها بإرادته لا لشيء إلا لأنها امرأة ولأنه رجل كما سنبين فيما سيأتي. ومع إمكانية فهم الظروف التاريخية لنشأة هذه الأديان في حضن مجتمعات بطريركية وبدوية وبالتالي تبنيها لتلك النظرة السلبية والغير عادلة تجاه المرأة، فلن نستطيع فهم ومن ثم تفهّم أن تتبنى دول تسمي نفسها تقدمية في القرن الواحد والعشرين قوانين تنظم حياة البشر وترسخ مثل تلك النظرة مستندة على إبداعات الديانات التي ذكرنا.
ولعلّ قوانين الأحوال الشخصية بما هي متعلّقة بجوانب ذات أهمّية كبيرة في حياة الإنسان تشكّل واحداً من المعايير الأساسية للدلالة على مستوى التقدم الاجتماعي والحقوقي للدول وخصوصاً الجوانب التي تتعلق بحقوق المرأة. وهي في بلادنا تمثّل وبكلّ أسف واحدة من أبرز علامات تخلفنا التشريعي عن عصرٍ باتت فيه حقوق الإنسان من مسلمات الحضارة العالمية الحديثة. وهذه القوانين في كافة الدول العربية، وسورية منها، تستند إلى الشرائع السماوية. وكما أسلفنا فإنّ انتقاص كرامة المرأة وربط مصيرها تعسفاً بسلطة الرجل وإرادته المنفردة مدعوما بقضاء لا يقلّ تخلفاً وذكورةً عن قوانينه، ليس حكراً على الإسلام، حيث نجد
في التشريعات المستمدة من اليهودية والمسيحية بمختلف طوائفها أدلة على ذلك . واخترنا لبيان رأينا أمثلة نبيّن فيها تناول كلّ من تلك التشريعات لبعض جوانب مسألة فائقة الأهمية نظراً لما يترتب عليها من آثار. ونقصد: الطلاق بإرادة الزوج المنفردة. وقد استندنا في تناول النصوص القانونية في هذا الخصوص إلى كتاب الدكتور عبد الرحمن الصابوني: شرح قانون الأحوال الشخصية السوري ـ ج2 الطلاق وآثاره، الطبعة الخامسة، المطبعة الجديدة ـ دمشق 1978.
ونبدأ بالأحوال الشخصية لليهود: حيث أن الديانة اليهودية أعطت للزوج كامل الحق في تطليق امرأته بإرادته لوحده، دون أن يتوقف هذا الطلاق على قبولها أو على حكم القضاء. ونميز في ذلك بين طائفتين من اليهود: الربانيون والقراؤون. حيث يوجد بعض الاختلاف في الظاهر لكن دون انتقاص الحقّ المترتب للرجل في حقيقة الأمر.
نجد لدى الربانيين أنّ الطلاق جائز بإرادة الزوج متى شاء دون موافقة الزوجة أو سؤالها رأيها. وورد في قانونهم المسمى: الأحكام الشرعية للإسرائيليين ما نصه:
الطلاق في يد الرجل (المادة 324) 

قبول المرأة الطلاق ليس شرطاً ( المادة 325) 
بينما قيّد القراؤون الزوج إذا أراد تطليق زوجته بأن يكون لديه عذر شرعيّ يقبله القاضي. وللقارئ أن يتبين مدى شكلية هذا القيد وصوريته وخلوّه من مضمون التقييد الجاد حين سيقرأ معنا العيوب التي اعتبر القانون معها أن الطلاق بإرادة الزوج المنفردة جائز. وقد قسموها إلى قسمين:

القسم الأول: العيوب التي تمس الدين، إذ أن كل استهتار أو تقصير من الزوجة بأمر من أمور دينها يحل لزوجها أن يطلقها لأجله! 

القسم الثاني: العيوب التي تتعلق بالخُلق أو الخَلق، وقد توسعوا في هذا كثيراً حتى اعتبروا قصر النظر في العينين من العيوب التي تجيز الطلاق!!. 
وفي الأحوال الشخصية للمسيحيين: نميز بين موقف الكاثوليك الذي لا يجيز التطليق لأي سبب كان من ناحية، وبين موقف كل من البروتستانت والأرثوذكس من ناحية أخرى.

وإذا انتقلنا إلى البروتستانت فإنّ التفريق بين الزوجين جائز لديهم في حالتين كما ينص قانونهم المعمول به في مصر: يجوز التطليق للزنا ولتغيير الدين. (المادة 18)
أما عند الروم الأرثوذكس فقد توسّع القانون في تفصيل الأسباب التي يجوز للزوج الطلاق من أجلها حيث جاء في قانون الحق العائلي لديهم:
(( للزوج أن يطلب طلاق زوجته في الحالات التالية:
إذا وجد زوجته يوم الزواج ثيباً فعليه رفع الأمر إلى الرئاسة الروحية وإثبات ذلك (نلاحظ تابو البكارة). 

إذا أتلفت الزوجة عمداً زرع الرجل. 
إذا حضرت وليمة منعها زوجها من الذهاب إليها (!) أو اغتسلت في حمام مع رجل غريب. 
إذا باتت خارج بيت زوجها إلا إذا كان ذلك بسبب طرد زوجها لها بالقوة. 
إذا غافلت المرأة زوجها وذهبت بدون علمه إلى محلّ سباق الخيل أو المسارح أو إلى أماكن الصيد أو المقامرة !. 
إذا ارتكبت الزوجة الزنا وأثبت الزوج ذلك. 
إذا حكمت المحكمة بمتابعة الزوجة زوجها ورفضت متابعته إلى محل إقامته. 
إذا منع الزوج زوجته مراراً التردد إلى شخص معين أو بيت معين أو عشرة أناس سيرتهم غير حسنة فلم تمتنع )) (المادة 186). 
نصل الآن إلى الأحوال الشخصية للمسلمين والتي لم يشر بخصوصهم قانون الأحوال الشخصية السوري لأي قيد ولو كان شكلياً أو مرناً على إرادة الزوج المنفردة في الطلاق . لكن وكمن يدّعي أنه ينتصر للمرأة اكتفى القانون بأن يجيز للقاضي ضمن شروط محددة الحكم لها بتعويض في هذه الحالة:

((إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها )) (المادة 117).
تجدر الإشارة إلى أن الزوج ليس فقط من يستطيع إنهاء الحياة الزوجية بموجب هذا القانون حيث أن لوالد المرأة أيضاً أو وليّ أمرها الذي يليه في حال غيابه (حسب الحال) أن يفسخ العقد إذا حصل دون موافقته. نقرأ في القانون المذكور ما نصه (( إذا زَوَّجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤاً لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح )) (المادة 72) ونتساءل هنا عن المعيار والجهة التي ستحدد الكفاءة.
ليس ما ذكرنا سوى أمثلة محددة في أحد جوانب المشكلة والتي نحتاج دراسات عدة لتغطية جوانبها المنتشرة في ثنايا قانون الأحوال بأبوابه وفصوله ومواده المختلفة. ولأنّ الاكتفاء بعرض المشكلة ليس ما نبتغي، نجدها مناسبة للحديث عن ضرورة الدعم والترويج لمفاهيم علم النوع الاجتماعي (Gender ) من حيث ما يعنيه ويعنى به من دراسة المتغيرات حول مكانة كل من المرأة والرجل في المجتمع بغض النظر للفروق البيولوجية بينهما وتعميق ثقافته التي تهدف الوصول إلى التعامل مع كل منهما من منطلق كونه إنسان بغض النظر عن جنس كل منهما. فيصبح منطق تكافؤ الفرص ليتمكن كل منهما من أداء دوره الاجتماعي ما يستدعي بالضرورة المساواة القانونية من حيث النظر إلى الفرد كإنسان بغض النظر عن جنسه. كما ينبغي ألا نخلط المسائل فنحوّل النضال من أجل حقوق المرأة إلى صراع بين الجنسين.
إذا كان السادة في عصر الرق يحافظون بكل الوسائل على سيطرتهم وملكيتهم للعبيد من أجل قوة عملهم، فللرجل في مجتمعاتنا المتخلفة البطريركية اللاعلمانية مصلحتان في سيادته على المرأة: المتعة الجنسية وقوة العمل. سيدفعه هذا الأمر إلى خلق المعوقات دائماً في وجه كل محاولة سواء من جانب المرأة أو الرجال المتنوّرين المتبنين لقضايا تحرّرها. وتبقى الطريق إلى التقليل من معاناة المرأة، تمهيداً لإنهائها، وعرة إذا ما استمرت النسبة الأعظم من النساء مقتنعات راضيات بما هن فيه، بل ومدافعات عن حقّ الرجل في إذلالهن، غير مستعدات للمبادرة بقول لا لكل هذا التمييز ضدّهن. وليس أدلّ على ذلك من المفارقة المتمثلة بأن يكون التصويت بالمصادقة على اتفاقية إلغاء كلّ أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في مجلس الشعب السوري قد تم بالإجماع بعد التحفّظ على خمس مواد من الاتفاقية ممّا يفرغها من أهدافها الأساسية رغم وجود ثلاثين سيدة ضمن أعضاء المجلس، إضافة إلى صدور قرار إغلاق جمعية المبادرة الاجتماعية التي تعنى بشكل أساسي بقضايا المرأة من قبل امرأة هي السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في سورية! فإذا كان هذا موقف من يفترض بهن تمثيل المرأة في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، عدا عن التأهيل العلمي والثقافي المفترض لهن، فماذا ننتظر من نساء أمّيات لا زالت ظروف حياتهن مشابهة لما كانت عليه ظلمات قرون خلت. لكننا ومع إيماننا بأنّ قضية المرأة هي قضية المجتمع وأنّ الحلّ الجذريّ يتّسق مع تنمية شاملة تفرزها تغييرات سياسية واقتصادية عامة، يبقى العمل الجادّ على الأقلّ في تهيئة نصوص تشريعية تلتزم مواثيق حقوق الإنسان أمرا ملحّا وراهنا، فتكون خطوة أولى على طريق تبنّي ثقافة عصرية تسحب البساط من تحت بنى التخلف المعشعشة بأقنعة العادات ونصوص الدين. لربما نسهم في التسريع من عجلة مستقبل نحلم به فنعمل لأجله. هواؤه الحرية وخبزه العلمانية، متناسين ظلمات اليوم، سائرين بدلالة المستقبل.

ليست هناك تعليقات