لبنان تتفاقم فيها تجارة الاطفال
الإتجار بالأطفال جريمة تتفاقم في لبنان
في أواخر شباط (فبراير) الماضي، مرّ خبر مرور الكرام على اللبنانيين في ظلّ كثافة الأخبار التي تهطل عليهم عن الأزمات السياسية والاقتصادية. وفحوى الخبر قيام عناصر من قوى الأمن الداخلي باعتقال عصابة للإتجار بالأطفال مؤلفة من أربعة أشخاص، وقد حرر الأطفال وأودعوا داراً للأيتام، فيما أحيل الموقوفون على القضاء المختص.
ربما يبدو الأمر اعتيادياً في لبنان، باعتبار أنّ عصابات القتل والسرقة والخطف باتت موجودة تقريباً في المناطق كلها، فيما تحاول قوى الأمن الداخلي أن تمسك خيوطاً لتواجه استفحال العصابات. لكنّ هذه القضية تعني المواطنين جميعهم من دون استثناء حين يتبيّن في بعض القضايا أنّ الأطفال الذين يتمّ الإتجار بهم ليسوا جميعهم مكتومي القيد، أو أطفالاً بيعوا برضى أهلهم لحاجة مادية أو سبب آخر، إنما يمكن أي طفل أن يتعرّض للخطف والاستغلال من عصابات تعزّز ممارستها الاحتيالية لاستدراج الأطفال والإتجار بهم في مرحلة لاحقة، سواء من خلال تحويلهم إلى خدمات الدعارة أو المتاجرة بأعضائهم أو بيعهم لأشخاص يريدون «شراء» طفل بدل سلوك طرق التبنّي التقليدية.
أبعد من أحزمة البؤس
من يظنّ أنّ ظاهرة الإتجار بالأطفال تقتصر على المناطق الفقيرة في لبنان، أو أنّها تعني الأطفال النازحين الذين يشغّلون في شبكات مختلفة، مخطئ تماماً. فحتّى الأماكن التي تُعتبر الأكثر أماناً يمكن أن تشهد محاولات خطف أو استغلال للأطفال. ففي أحد المولات الكبرى في لبنان، يخبر المسؤول الأمني عن الاهتمام الكبير الذي يكرّسه فريقه لرصد أية محاولات تربّص بالأطفال، ويكشف عن التحقيق مع رجلين كانا يقصدان المول باستمرار وقد حاولا مرّات عدة التقرّب من الأطفال الذين يضيّعون أهلهم أو يقفون لوحدهم للحظات في حين يشتري ذووهم أغراضاً.
وعلى رغم أنّ لا دلائل مثبتة على محاولة خطف الأطفال بسبب الظروف الأمنية المشدّدة في المركز التجاري، يؤكد المسؤول الأمني أنّ هناك خطراً على الأطفال في أي مكان وُجدوا فيه، ويجب أن تكون هناك توعية من الأهل لأطفالهم كيلا يخافوا حين يبتعدون عنهم، بل أن يقصدوا الشخص الذي يضع شارة الأمن. لكن هذا الأمر يصعب على الأطفال الصغار السنّ المعرّضين لاحتيال العصابات سواء في المركز التجاري، أو في الحديقة العامة أو في أي مكان آخر وُجدوا فيه لوحدهم، حتّى في محيط المدرسة التي يرتادونها.
عصابات منظّمة
وإذا كان الأطفال الذين يحظون باهتمام أهلهم المستمر، معرّضين للخطر، فكيف الحال بالنسبة لأطفال يجدون أنفسهم بلا مأوى أو أسرة تحميهم؟ تؤكد المساعدة الاجتماعية يولا كفروني التي تعمل مع جمعية تهتم بالأطفال المكتومي القيد، أنّ هناك عصابات منظّمة تستهدف هذه الفئة من الأطفال، لأنّها الأكثر ضعفاً وليس هناك من يحميها.
وتشير كفروني إلى أنّ الإتجار بالأطفال بات واقعاً ملموساً في لبنان، ولا يمكن أحداً أن ينكره، لأنّ هناك عصابات تشغّلهم في التسوّل والسرقة. لكن القضيتين الأخطر «هما تشغيل الأطفال في شبكات الدعارة من جهة وبيع أعضائهم بأسعار خيالية من جهة أخرى».
أمّا أساليب إيجاد الأطفال الضحايا لاستغلالهم فتتنوّع وفق كفروني، إذ تشير إلى أنّ بعض أهالي القرى وحتّى مخيّمات النازحين يخبرون عن مجيء أشخاص يعرضون عليهم مبالغ مالية في مقابل تربية الطفل وتعليمه وصولاً إلى تأمين العمل له بدل أن يبقى فقيراً.
ولأنّ الأهل يكونون في حال عجز مادي يستبشرون خيراً بمجيء الغريب، من دون أن يطرحوا استفهامات حول نوع العمل مثلاً، والسبب الذي يدفع هؤلاء الأشخاص إلى مساعدة الأطفال الفقراء، فيضحّون بطفل واحد على أن يعيلوا الباقين. كما أن هناك الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج، إذ يسارع أفراد الــــعصابات إلى متابعة الفتاة الحـــامل من دون زوج باعــتبارهم مساندين لها، وحين تلد يختطف الطـــفل ويبلغون الأم أنّه كان يعاني من مـــشاكل صحّية وقد توفي.
وتكثر الروايات التي تتحدث عن قصص أطفال فقدوا براءتهم حين وقع الخيار عليهم ليستغلوا بأبشع الطرق، فيما يأمل المواطنون من سائر الفئات بأن تستمر عمليات اعتقال عصابات الإتجار بالأطفال، خصوصاً في ظلّ بدء ظاهرة جديدة تتمثّل باختطاف أطفال الميسورين في مقابل دفع أهلهم فدية لإطلاقهم. وهذه قضية أخرى تقضّ مضاجع اللبنانيين وتجعلهم يقلقون بشدّة على مصائر أطفالهم في ظلّ الوضع الأمني القائم.
ليست هناك تعليقات