Breaking News

الصحراء المغربية والتضليل على غرار نهج الاستعمار الاسباني


الصحراء المغربية .. والتضليل
على غرار نهج .. الاستعمار الاسباني
لم يعد العالم العربي الإسلامي يعاني من ظواهر التشرذم والتفرقة، وإذكاء نعرات الانفصال فقط، بل إنه يعاني من إدامة تلك الظواهر وتعميق آثارها السلبية على الإنسان والاقتصاد والسياسة على حد سواء.
وتمثل قضية الصحراء المغربية واحدة من بين تلك الأزمات والنزاعات التي عمرت لعقود طويلة.
لئن اقتصرت معظم المعالجات على إبراز تاريخية السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، أو رصد المسار الدبلوماسي والسياسي والتفاوضي للقضية، فإن القليل من انتبه إلى الآفاق المستقبلية في بعدها الاجتماعي والسياسي والإقليمي والدولي، وتشكيل مجموعات قد توظف لمصالح تنظيمات القاعدة وغيرها بغية زحزحة الاستقرار بالمنطقة، وفي ظل تنامي الوعي التكتلي وتضخم الوعي الانفصالي في السياق العربي والإسلامي.. وهناك دوائر خارجية تستهدف اصطناع الكيانات الانفصالية وتباركه. وما الذي يجري في جنوب السودان والعراق واليمن وغيره إلا دليل على ذلك.
صوت التاريخ
تتحدث كتب التاريخ والوثائق عن ان الحدود السياسية لبلاد المغرب كانت تصل إلى أقصى الجنوب الموريتاني، وذلك تحت ما كان يسمى بالامبراطورية الشريفة، قبل أن يضع الاحتلال الاسباني اليد عليها في سياق المشروع الانحطاطي للاستعمار.
وقد تشكل مؤلفات الكابتن «مارتن» والمجلدات الخمسة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال 1982/1979 مصدراً غنياً لتأكيد مجموعة من المعطيات.

ففي 1884، مثلاً، وهو تاريخ استعمار الاسبان لأول موقع على المحيط الأطلسي، تساءل سفير ملك اسبانيا عن الحدود الجنوبية للامبراطورية الشريفة، فأجابه ملك المغرب مولاي الحسن بتاريخ 1886، بأن وادي الذهب يشكل جزءاً من المملكة الشريفة، وان سكانها هم من رعاياه تبعاً لمقتضيات الشريعة الإسلامية.
أما الاستعمار فقد استهدف المغرب بالتمزق كمقدمة لفرض الحصار ثم الحماية، وأبانت المعاهدات بين فرنسا واسبانيا في 1900 وفي 1904 و1912 عن مخطط رهيب مزق المغرب إلى شمال وجنوب تحت السيطرة الاسبانية، ووسط تحت الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى إدارة دولية من 12 قوة لمدينة طنجة.

ورغم هذه الظروف المريرة فقد استطاع المغرب ان يسلك طريقين: المفاوضات والمقاومة المسلحة على يد الشيخ ماء العينين الذي زار برفقة وفود من الصحراء، السلطان المغربي مولاي عبدالعزيز سنة 1906 لدعمهم في مقاومة الاستعمار الأوروبي، وتم حشد قبائل من الصحراء وهذه المقاومة كبدت العدو خسائر رغم امكاناتها المحدودة، الى ان سقطت منطقة «ادرار» في الشمال الموريتاني بيد الفرنسيين، وتقدمت القوات الفرنسية نحو مراكش، ورابطت القوات الاسبانية بشواطئ الصحراء. وقد توفي الشيخ ماء العينين بعد مغادرته للسمارة واستقراره بتيزنت سنة 1910.
واستمرت المقاومة في اشكال مختلفة مع ابنائه ورجالات المقاومة الى ان تشكل جيش التحرير ضد الاسبان والفرنسيين داخل الصحراء وموريتانيا.
واتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 2072، الذي تطالب فيه اسبانيا بانهاء استعمارها للصحراء. وقد قبل النظام الاسباني الحاكم آنذاك بارجاع سيدي ايفني في المفاوضات حول «الساقية الحمراء ووادي الذهب».
وللأسف، فان المتغيرات الظرفية، اثر استرجاع منطقة الصحراء، افرزت معارضة بعد التوقيع على اتفاقية مدريد 1975، وهو دليل اضافي على رفض التدخلات الخارجية والمخاطر المرتبطة بها.

صوت الإنسان
هناك دراسات قليلة اهتمت بابراز الخصائص النفسية والاجتماعية والفكرية للانسان في الصحراء المغربية، وهي تؤكد ان العديد من الرجال في الصحراء يتزوجون بنساء من اقاليم مغاربية مختلفة، والعكس صحيح. وهي روابط تنسجم مع وجود مشترك تاريخياً وتراثياً.
أما الطرف الذي تغريه مقولات الانفصال، فلم يستطع ان يطمس هذه الهوية التنوعية، واذا به يتحول الى مسرحية تسمى «مخيمات تندوف». واذا لم يسعفه الانسان في ذلك، فقد عمد الى احتجاز كم غفير من الصحراويين وحشرهم في معتقل كبير يراد له ان يكون البديل للصحراويين، في مخيمات العار، مفتقدين ابسط الحقوق الانسانية، المنع من مغادرة المخيم، ومراقبة التحركات، الخ.
وذلك في غياب اي اطار قانوني واضح يحكم وضع السكان في تندوف.

صوت الدبلوماسية والسياسة
لم يكن حدث المسيرة الخضراء سنة 1975 سوى واحد من الاجراءات لتأكيد مغربية الصحراء بالوسائل السلمية، سبقها ورافقها وتبعها حزمة من الاتصالات والمفاوضات.
انتهج المغرب خطة التفاوض بالنسبة للمنطقة الصحراوية التي كانت تحت الإدارة الاسبانية، وتمكن من استرجاع مدينة طرفاية سنة 1958، وسيدي إيفني سنة 1969، بموجب اتفاقيتي «سنترا» و«فاس».

* شارك في اجتماعات ثلاثية ضمت اسبانيا وموريتانيا (نوفمبر 1975) نتج عنها الاتفاق على جلاء اسبانيا من الصحراء، مما يؤكد ان الاستعمار، عمليا، كان يعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية.
* لأسباب انسانية وجيوسياسية، قبل المغرب بمبدأ الاستفتاء على ان يأتي تبعا لتقرير تلك الوحدة لا قبلها.
وقد أبانت التطورات اللاحقة صوابية وجهة نظر المغرب، وضعف اطلاع عدد من الدول على عمق الوشائج الاجتماعية والتداخل التاريخي والاجتماعي والاقتصادي المشار اليها أعلاه.

الطبيعة الديموغرافية للأقاليم الصحراوية كانت دائما لمصلحة الحق الذي أضاعه الاستعمار، مثلما أضاع سبتة ومليلة والجزر التابعة لهما.
وقد كانت هذه الحقائق ماثلة عند مبعوث الامم المتحدة الهولندي بيتر فان فالسوم، حين توصل في تقريره الى ان خيار الاستقلال بخصوص هذا الاقليم غير قابل للحياة.

والمؤسف ان هناك من يفسر الاحداث وفق منظور تآمري يقوم على الصراع بين المسيحية والاسلام، فيكون المغرب محاصرا من جهة الشمال كي لا يمثل منطلق التواصل الحضاري بين الاسلام والمسيحية في الغرب، ومن جهة الجنوب، كي لا يواصل عمقه الحضاري الاسلامي بافريقيا.
مقترح الحكم الذاتي
واهم محطة في الحراك الدبلوماسي، تقدم المغرب بمقترح الحكم الذاتي للاقاليم الصحراوية، والثابت انه مقترح سيغير معالم المفاوضات، ويهدف الى ضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية لجميع ابناء الاقاليم الصحراوية.
وجاء هذا المقترح منسجما مع توجهات مجلس الأمن، ذلك ان كوفي عنان قدم في فبراير 2002 اربعة خيارات لمشكلة الصحراء، ووضع في الاختيار الثاني خيار الحكم الذاتي ضمن سيادة المغرب.
ولعدم تطبيق مخطط التسوية وغياب الاتفاق لتنفيذ مخططي بيكر الاول 2001، وبيكر الثاني 2003 ما فتئ مجلس الأمن منذ 2004 ينادي لايجاد حل متفق عليه.

ولم يقتصر المغرب على هذه المبادرة «الثورية» بمقاييس الإصلاح السياسي، بل واصل مشروعه التنموي لأقاليمه الصحراوية، وحقق مؤشرات إيجابية، إلى درجة أن المواطن المغربي في مناطق أخرى من المملكة صار ينظر بنوع من الإعجاب والغيرة - إن صح التوصيف - لتلك التنمية المتواصلة في الأقاليم الصحراوية.
وخلاصة القول ان صوت التغرير والاصطياد في مياه التزوير والادعاء ينبغي الا يصما آذان الأطراف ذات الصلة بموضوع الصحراء المغربية والعالم بأكمله عن الاستماع إلى صوت العقل.
وهذا الكلام يتوجه، من باب أولى، إلى المنظومة الافريقية، فإذا كان سحب العديد من أعضائها لاعترافهم بالكيان الانفصالي يمثل خطوة جريئة في طريق دعم الوحدة المغربية والافريقية، فإن تقوية ذلك بالحراك الدبلوماسي وإزالة اللبس في التعامل مع المنطلقات التاريخية والشرعية والدبلوماسية للمغرب يمثلان دافعين قويين لتجنيب المنطقة الانزلاق نحو «بلقنة» لا تبقي ولا تذر.

د. محمد إقبال عروى
جريدة القبس الكويتية

اعادة نشر ..
ديوان اصدقاء المغرب

ليست هناك تعليقات